ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين

السبت، 25 أغسطس 2018

الظاهرة الإرهابية.. دعوة للفهم


محمد مليطان


المبتدأ
ربما يكون المعجم الوسيط من بين معاجم اللغة العربية القليلة التي خصصت مدخلا معجميا لمصطلح (الإرهاب) بمفهومه المعاصر، وهذا راجع لمشكل يطول الحديث فيه يتعلق بالعلاقة غير المتحمسة وغير النشطة بين المؤسسات الجامعية واللغوية العربية مع صناعة المعاجم وتحديثها.
جاء في المعجم الوسيط: "(الإرهابيون) وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية". وهذا يدفع باتجاه الحديث عن الحاجة إلى معجم تاريخي للمفاهيم والمقولات في الفكر الديني، وهي حاجة في حال تم تلبيتها سيتم تجاوز الكثير من المشاكل الناجمة عن سوء التفاهم والفهم، فالفكر الإسلامي لم يزل يقدم للطلاب والتلاميذ وحتى الباحثين في شكله الأيديولوجي، مهملا وعاجزا، في الوقت ذاته، عن العرض العلمي الخاضع للمناهج العلمية التي تدرس الظاهرة الاجتماعية والثقافية واللغوية وغيرها من الظواهر الأخرى المتعلقة بحياة الإنسان كفرد، وحياته كجماعة بشرية ومجتمعات.

مسؤوليات
النظم الاجتماعية والسياسية مسؤولة مسؤولية مباشرة في تحديد ومنح الترخيص للدخول في مناطق دون أخرى أمام العقل العلمي أو الناقد، وهنا أحيل إلى النقد العلمي الموصوف عادة بأنه بنّاء.
القيود الاجتماعية بالدرجة الأولى والسياسية بالدرجة الثانية تمنع الدخول إلى مناطق من المهم البحث فيها بشكل علمي محايد. فقسوة العقوبات الاجتماعية ونظام الرقابة السياسي المفروض على الفكر في البلاد العربية مسؤول على التردي والتخلف الذي تتعاطاه وتتداوله الجهات أو الأفراد في تحليل القضايا وتفسيرها، وغالبا ما أسهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تضليل القيادات السياسية وقولبتها في مواقف لم يتم بناؤها بشكل علمي واع، وإنما يتم بناؤها حسب مواقف اتخذها المجتمع أو الفاعلون منه على المستويات الدينية والاجتماعية والسياسية...

تمييز مفاهيمي
الإسلام كنموذج – مثلا – لدراسة الظاهرة الدينية بمناهج علمية لا يعني المساس بقدسية الدين الإسلامي كمعتقد وسلوك إيماني، بل يساهم في فهم الظاهرة الدينية المتطرفة أو المعتدلة على السواء بناء على نماذج مماثلة أخرى عاشتها البشرية قبلنا أو معنا، وبالتالي يتيح لنا التمييز بين ما يسمى اللاهوت السياسي والفلسفة السياسية، وعدم الوقوع في الخلط المفاهيمي الذي تسبب ولا يزال يتسبب في كثير من النزاعات والخلافات النظرية والمادية بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى وبين المسلمين والمسلمين أنفسهم.
الوقت الآن أكثر إلحاحا في ضرورة الشروع في إخضاع التراث لإعادة التفكير فيه، وليس فقط لإعادة إحيائه، والتفكير فيه ليس من قبل المشتغلين في المجال العلمي الأكاديمي فحسب بل من قبل كل الفاعلين في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية بوجه عام، ولم يعد هناك مبرر للتخوف والتوجس من التفكير العلمي في التراث وفتح الأبواب التي أغلقها العقل الفقهي، خاصة وأن التراث نفسه احتفظ لنا بشواهد عديدة على حوارات كانت بين علماء المسلمين أنفسهم وتناولت قضايا لم يجرؤ بعد الأكاديميون على إثارتها فضلا عن الإضافة عليها أو التفريع عنها والتوسع فيها.
التفريق بين الموقف الأيديولوجي والبحث العلمي مهم جدا، ومن المهم جدا أيضا التمييز بين المفاهيم المؤسسة لأي عمل علمي حتى لا نقع في سوء التفاهم الحاصل اليوم بين الباحثين العلميين وبين الفقهاء والمشتغلين في المجال الفقهي والدعوي والديني بشكل عام.

تكامل مفيد
تأسيسا على مبدأ التكامل بين العلوم الدينية والعلوم الأخرى خاصة الإنسانية منها الذي أضحى مقبولا اليوم ومتداولا بين الباحثين والكتاب والمهتمين بالفكر الديني المعاصر فإن علوم اللسانيات – علي سبيل المثال – تتمتع بثراء منهجي مهم حقق على مدى قرن من الزمان كفايات متعددة إجرائية ونمطية وكلية وحاسوبية يمكنها بحكم اهتمامها بتحليل الخطاب وتقاطعها مع العلوم الدينية أن تمد المشتغلين بالفكر الديني بمناهج وآليات للتحليل وتسهم في فهم الظواهر المتصلة بالخطاب الديني.
يفرق اللسانيون بين الدرس اللغوي العربي القديم والدرس اللساني الحديث بملامح أربعة هي ظروف الإنتاج والهدف والموضوع والمنهج، وفي هذا المقام يمكن استعارة هذا التنميط وتعميمه لينطبق على الفكر الديني التقليدي والفكر الديني المعاصر في محاولة لاقتراح آليات لفهم الظاهرة الإرهابية في سياقها المعاصر (السلبي) دون الاصطدام بالمفهوم التقليدي لنفس المصطلح في سياقاته التقليدية التي كانت تتمتع بحمولات إيجابية بشكل ما.
يكاد يجمع المشتغلون بتاريخ الفكر الديني على التمييز بين المرحلة القديمة (مرحلة الدراسات الفقهية واللاهوتية) والمرحلة الحديثة (مرحلة الدراسات الفكرية والعلمية بالمعنى الابستمولوجي)، فإذا كان الاتفاق حاصلاً على التمييز بين هاتين المرحلتين الكبريين فإن الفرق بين الفكر الديني التقليدي والفكر الحديث والمعاصر فرق مهم ومن الوضوح مالا يدع مجالاً للشك. والقفز على هذا الفرق البين والحديث عن المرحلتين كأنهما شيء واحد لا يمكن أن يكون إلاّ خطاً إبستمولوجيا فادحاً.

نموذج للقياس
من الممكن أن نُرجع الفرق بين الفكر القديم والفكر الحديث إلى أربعة محاط: ظروف الإنتاج والموضوع والهدف والمنهج. فمن حيث ظروف الإنتاج، فقد توافر للبحث المعاصر من المحيط العلمي ومن الاستفادة من مختلف العلوم ما لم يتح للفكر القديم وهذا لا يعني أنه ليس له محيطه الفكري والثقافي الخاص به. ممّا أفادت منه بعض الدراسات المعاصرة كما هو معلوم الرياضيات الحديثة وعلم النفس والاكتشافات التكنولوجية كالحاسوبيات. بل إن معطيات الظروف المعاصرة أثرت بشكل ملحوظ على الاهتمام ببعض الواجبات الدينية بسبب تأثير الميديا والفضائيات أكثر من ذي قبل كما هو الحال مع العمرة في رمضان التي باتت تشهدا اهتماما ينافس الاهتمام بالفريضة الأصل الحج مثلا.
ومن حيث موضوع الدراسة فإن الفكر القديم لم يكد يجاوز حدود الدين الواحد والمذهب الواحد والطائفة الواحدة والجهة المناطقية الواحدة كما هو الحال مثلا مع المذهب المالكي العراقي وشقيقه المالكي المغاربي مثلا والتقعيد لهذا المنحى الواحد في حين أن موضوع العقل العلمي المعاصر هو الظاهرة الدينية بشكل عام على اختلاف أنماطها التي تتميز بها الكائنات البشرية.
ومن حيث الهدف فقد كانت الغاية الأسنى من الدراسات القديمة تعليم المسلمين مفاهيم دينهم وكيفية أداء العبادات والمعاملات والحفاظ عليها من أن يشوبها بدعة أو تحريف أو تقصير أو خلل. في مقابل هذا، نجد اهتمام الفكر المعاصر ينحو نحو دراسة مختلف أنماط التدين سعيا إلى إقامة نظرية كلية للظاهرة الدينية لفهمها وإقامة نظرية علمية تسعى لتحقيق كفاية كلية للظاهرة بوجه عام.
ومن حيث المنهج فإن الفكر الديني القديم يقوم على أصول نظرية فقهية ومنطقية لأبواب فقهية أو كلامية. وهذا لا يعني أن روح التنظير غير موجودة عند قدماء الفقهاء إنما يعني أن منهج الفكر المعاصر منهج مغاير يقوم على محاولة تقديم اقتراحات ومقاربات قائمة أحيانا على بناء نماذج خاضعة لقواعد الاستنباط وقوانين الصورنة العلمية وقابلة لأن تُرَازَ حاسوبيّاً.  

والخبر
غياب العقل العلمي في هذا المجال وتغييبه، أدى إلى حضور الأيديولوجي وهيمنته بنماذجه المختلفة الثقافية والسياسية والاجتماعية والدينية في مقاربة هذه الظاهرة الإرهابية، وهو ما جعل الموقف المقاوم لهذه الظاهرة لا يختلف عن الظاهرة الإرهابية ذاتها اللهم إلا في التموضع منها، ما سمح بظهور مقاومة مبنية على مواقف أيديولوجية معارضة وليست مبنية على فهم علمي واع لها، وهو ما شأنه المساعدة على وصف الظاهرة وتفسيرها وصفا وتفسيرا علميين ومن ثم اقتراح الحلول والعلاجات المناسبة والتي قد تكون غير عنيفة في حالات معينة، وقد تكون كثيرة.
اليوم نعيش حياة ثرية جدا بالمناهج والمنجزات العلمية التي لم نستفد منها بشكل كاف في فهم تراثنا وعلاقته مع مجتمعاتنا اليوم وتكييفه مع حياتنا الثقافية والفكرية والاجتماعية بوجه عام.
ومن المعلوم أن كل خطاب يهدف للتحشيد سواء أكان سياسيا أم ثقافيا هو خطاب حامل لشيء من الايدولوجيا، أو هو على الأقل قابل لأن يحمل شيئا من الأيديولوجيا، كما يقول بعض الباحثين اليوم، وبالتالي فإن الادعاء بأن هناك خطاب دعوي تحشيدي خال تماما من الأدلجة هو حديث دعائي أكثر منه علمي.
وهنا وجب التنويه إلى أن هذا الرأي لا يحمل دعوة لرفض الأيديولوجيا من حيث هي نوع من أنواع المعارف الإنسانية ولكن هو دعوة لتفهمها في سياقها باعتبارها معرفة غير علمية وغير قابلة للخضوع للمناهج العلمية ولا الفلسفية بحكم طبيعتها الابستمولوجية.

هناك 3 تعليقات:

  1. 토토사이트
    먹튀검증
    토토365프로

    Awesome blog! Do you have any recommendations for aspiring writers?I’m hoping to start my own blog soon but I’m a little lost on everything.

    ردحذف
  2. 스포츠중계
    토토사이트
    토토

    Nice site, nice and easy оn thе eyes ɑnd great content too.Feel free to visit my pаge :

    ردحذف
  3. 토토사이트
    토토
    배트맨토토


    This article is truly a pleasant one it helps new web visitors, who are wishing for blogging.

    ردحذف