ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

مستنقع التطرف

محمد مليطان
اليمين الشعبوي المتطرف في كل الأديان عادة ما يتسبب في إحراج تيارات اليمين المعتدل والوسط واليسار، بخاصة مع المجتمع الدولي، وتحديدا تجاه قيم الديمقراطية والمواطنة والتسامح والتعايش، بسبب ثقافة العنف التي تسم وتسيطر على علاقة هذا اليمين مع الآخر، سواء أكان هذا الآخر ممثلا في ديانات أم أعراق أم ثقافات مختلفة أو مغايرة.
عندما أحرج اليمين الإسلامي الشعوبي المتطرف باقي الاتجاهات والتيارات الإسلامية الأخرى في أعمال عنف ضد أهداف غربية، وقف العالم بأسره -بما في ذلك العالم الإسلامي- ضده، واتخذ مواقف تدرجت من الحرب والرد بالعنف المضاد، كما هو حاصل في أفغانستان، إلى المقاومة الناعمة ممثلة في دعم التيارات الدينية الموصوفة بالمعتدلة والسماح لها في بعض الدول بالمشاركة السياسية في محاولة لإعادة برمجتها وفق مفاهيم الدولة الحديثة.
الحال مع اليمين المسيحي الشعبوي المتطرف في سويسرا، ليس أفضل منه مع اليمين الإسلامي الشعبوي المتطرف، وبالتحديد على مستوى الذهنية والفكر المتطرف والموقف العدواني من الآخر.، غير أن اختلاف الظروف المحيطة، والوسائل المستخدمة، تسهم في إظهار أنموذج التطرف الإسلامي أشد عنفا، بخاصة مع اقترانه بالعنف الدموي، لكن البنية الذهنية المتضمنة للعنف لكلا الطرفين، تظل واحدة، فاستخدام الديمقراطية لتمرير ممارسات متطرفة تمس الأديان الأخرى، ومشاعر معتنقيها، هو من أبشع صور العنف الرمزي.. فالديمقراطية سواء أكانت على مستوى المفهوم السياسي أم على مستوى المفهوم الاجتماعي، لا تعني مطلقا ممارسة القمع أو المنع، قمع الأقليات، أو الأفراد، أو منعهم من ممارسة شعائرهم والترويج لها بالطرق العلنية والسلمية، فحكم الأكثرية وفق المفهوم السياسي للديمقراطية يقترن اقتران شرط بحماية حقوق الأقليات والأفراد، ومن هذه الحقوق الحق في ممارسة الشعائر الدينية، وهذه الشعائر الدينية ضمن المبدأ نفسه يجب أن تحترم بكل طقوسها وأشكالها، فلا يجوز باسم الديمقراطية قمع أو منع أي شكل من أشكال التدين أو أنماطه، ذلك أن الإطار الديمقراطي غير معني بهذه التقاليد الداخلية لأشكال الطقوس الدينية، ولا ينبغي المساس بها مطلقا، فهذه التقاليد تتم مراجعتها وتصحيحها وتعديلها ونقدها ونقضها داخل منظومة الدين نفسه، أو داخل أطر علمية، أو فكرية، أو ثقافية بعيدة عن المؤسسات السياسية.
تصرف اليمين المسيحي الشعبوي المتطرف في سويسرا تجاه منع بناء المآذن يحمل جملة من المساوئ على المستوى السياسي أيضا، ففي الوقت الذي كانت تتمتع فيه سويسرا بصفة الدولة المحايدة، وضعها هذا اليمين في صف الدول المنحازة، وليس الانحياز فقط، بل الانحياز إلى أقصى اليمين، ما يسمح بظهور ممارسات مماثلة في الدول الإسلامية، وتتخذها بعض التيارات الإسلامية.. وهنا تستوي المنعوتة بالمتطرفة والموصوفة بالمعتدلة، مبررا للضغط في اتجاه اتخاذ موقف مماثل لمنع وقمع أشكال الوجود الديني بعامة والمسيحي بخاصة، وإسكات الأجراس والتميز الديني الشكلاني للأفراد ودور العبادة، مستدعين من التراث ما يشحن الشارع الإسلامي، مستشهدين بالواقع السويسري الذي شوهته ثقافة التطرف.
مستنقع التطرف فيه ما يكفي من الأوحال لإغراق سفن النجاة العابرة بالإنسان إلى مجتمعات أكثر تسامحا وانفتاحا قابلة للتعايش، وارتكاب مثل هذه الأفعال العداونية المتطرفة تحرج المجتمع الثقافي الإنساني الطامح إلى غد متسامح، ويعيده في مشروع حوار الثقافات إلى المربع الأول، بعدما ظن، أو زعم، أنه تجاوزه بلا رجعة.
--------------
نشر بصحيفة أوان الكويتية الثلاثاء 2009/12/8 العدد:742
http://www.awan.com/pages/oped/255474

هناك 4 تعليقات:

  1. شكرا أخي في الله محمد مليطان على إضافتك لمدونتي المتواضعة وسأضيفك في المفضلة لدي وجزاك الله خير الجزاء.

    أما بالنسبة لليمين واليسار والأمام والخلف وغيرها من الاتجاهات التي كان نبعها الغرب بشتى أشكاله، فهي ظاهرة في اعتقادي لا تخدم القيم الإسلامية التي هي خير الأمور أوسطها.

    بارك الله فيك ونفع الله بك الأمة الإسلامية العربية.

    ردحذف
  2. شكرا لمرورك.. وأحترم وجهة نظرك وموقفك من الأوصاف الجهية للمواقف الفكرية
    مودتي

    ردحذف
  3. مرحبا أستاذي العزيز
    الإرتباط بين الغرب والعالم المتخلف دخل في اطار عملية امبريالية، هدفت الى ايجاد مجال حيوي يمكنها من كبت او تقليص تناقضات مجتمعاتها الرأسمالية، وقد شمل برنامجها تكليف المجتمعات المتخلفة بإنجاز الأعمال اليدوية والشاقة والوسخة من استخراج للمعادون او زراعات بطبيعتها صعبة المكننة، والمساهمة في تقليص التضخم عن طريق استهلاك بعض من فائض انتاجها، هذا الإحتكاك كان بمثابة صدام بين قوي وضعيف بين متقدم ومتخلف مبرمج من طرف المتقدم الذي خطط وبرمج فأوجد وطيفة للمجتمعات المتخلفة...
    وبما أن التعصب والتزمت هي من سمات ثقافة التخلف، وقد قبل بها ضمنيا العالم المتقدم، وأصبح حرصه على الحفاظ على تقسيم العمل متظمنا حرصه على استمرار ثقافة التخلف، بالتالي فإن مطلب دمقرطة أنظمة العالم المتخلف ونشر ثقافة الحق والمساواة ليست ملائمة لثقافة التخلف التي فرضت قسرا عل هاته الشعوب

    ردحذف
  4. مرحبا قاسم، شكرا لمرورك.. ولا أعتقد أن الغرب قد وضع برنامج لتكليف المجتمعات المتخلفة بإنجاز الأعمال اليدوية والشاقة والوسخة من استخراج للمعادون او زراعات بطبيعتها صعبة المكننة لأنه يقوم هو ايضا بهذه الأعمال في بلاده، ولكن الصورة أكثر تعقيدا في تقديري
    مودتي واعجابي

    ردحذف