محمد مليطان
تعاطت عدد من الصحف العربية الخبر الذي نشرته صحيفة صنداي تليغراف الانجليزية المتعلق باكتشاف فريق من العلماء لما أطلقوا عليه "الحلقة المفقودة" بين البشر والقرود، وذلك عقب اكتشافهم هيكلا عظميا لطفل عمره مليوني عام، ما أعاد إلى الواجهة الجدل الكلاسيكي حول "الدراوينية" بين المجتمعات التقليدية والعلمية، وذلك مع قرب احتفال العالم العلمي بذكرى وفاة عالم التاريخ الطبيعي تشارلز داروين (12 فبراير 1809 - 19 أبريل 1882) صاحب كتاب "في أصل الأنواع" الذي ضمنه نظريته المشهورة التي عرفت في الثقافة العربية باسم "النشوء والارتقاء".
لم تتعرض نظرية علمية، ربما، لمثل ما تعرضت إليه نظرية داروين من انتقاد وهجوم، فهي الأكثر إثارة للجدل بسبب تعارض ما تقدمه مع السائد من المفاهيم الدينية بشكل خاص المتعلقة بالخلق، وقد شاع الاقتصار في وصف نظرية "أصل الأنواع" على أنها نظرية لا تتضمن إلا القول بأن القرد هو أصل الإنسان وعنه تطور، وهذا بالطبع مفهوم مغلوط؛ لأن الأطروحة تقول باشتراك الإنسان والقرد في أصل واحد، وليس هما فحسب، فالنظرية قائمة على افتراض أن لجميع الكائنات على الأرض أصل مشترك وأن الحياة فيها قائمة على مبدأ "الانتخاب الطبيعي".
علميا، لم يعد الانشغال باختبار صحة الداروينية إشكالا مطروحا، باعتبارها تجاوزت مرحلة "النظرية" وأضحت "حقيقة علمية" غير قابلة للجدل العلمي، خاصة بعد أن استطاعة اختبارات الـ DNA أن ترسم شجرة للحياة بدقة فاقت الشجرة الدراوينية، وفي الوقت ذاته أسهمت بشكل كبير في توكيد نظرية "النشوء والارتقاء" الداروينية والارتقاء بها إلى مرتبة الحقائق العلمية الكونية.
وعلى الرغم من أنني لست من المتحمسين إلى تبني "أسلمة" المعرفة ولا "تنصيرها" ولا "تهويدها"؛ لاعتبارات تتعلق بطبيعة العلم المختلفة عن طبيعة الدين، واختلافهما من حيث الموضوع والهدف والمنهج، فإنني أظن أنه بالإمكان الاستفادة من نظرية داروين في مقاربة النص القرآني من حيث كونها جهازا نظريا علميا يجب تشغيله والاستفادة منه، والمجال الذي يمكن أن تشغّل فيه الداروينية في المقاربة القرآنية هو القصص القرآني والآيات الواصفة للمتغيرات عبر التاريخ والأزمنة المتعاقبة، ليس في عملية إسقاط تبجيلية بالطبع، بل في سياق يقوم على الاستفادة من أي جهاز علمي يحقق أعلى كفاية إجرائية.
من هذا، مثلا، أنه يمكن مقاربة الآية القرآنية: ("مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا..."البقرة 106) الانطلاق من افتراض أن الأحكام والتوجيهات الإلهية تنقل من أمة إلى أمة عبر الرسل والكتب المقدسة وهذا النقل خاضع لعملية معالجة مستمرة ممثلة في ثلاث عمليات: الإبقاء على الأحكام والتوجيهات عبر عملية نسخ، أي نقلها بحذافيرها للأمة التالية، أو محاكاتها عبر عملية نسخ مثلها، أو استبدالها بأحكام أخرى خير منها تتوفر على خصائص، هذه الخصائص المستحدثة في عمليتي "النسخ والنسيان" يمكن تفسيرها حسب نظرية التطور الداروينية بأنها تتعلق بالانسجام مع التطور الذي يعيشه الجيل البشري المزامن للكتاب المقدس المنزل، وفي عملية منسجمة مع التطور الذي يعيشه الإنسان عبر الأزمان، فكل جيل يشهد تطورا عن سابقه، وهذا التطور الطبيعي، الذي ينسجم مع الناموس الكوني، يحاكيه تطور مواز في "الآيات" المقدسة الإلهية الواردة إلى البشر، التي تفسر أيضا توالي الأنبياء والرسل وتعددهم تحقيقا للمجايلة مع المرحلة الإنسية التي أرسلوا إليها وفيها، وهو ما يستلزمه ناموس التطور والارتقاء في الكائنات التي يتطور الكائن البشري فيها ومعها.
إن عدم الاهتمام بتوطين العلم وعدم الاهتمام بترسيخ التفكير العلمي وإشاعته في المجتمعات العربية ستكون نتيجته الطبيعية الانشغال بفتاوى العقل الفقهي الذي لا يزال منشغلا برضاعة الكبير، وتكفير القائلين بجواز أن تكون المؤسسات التعليمية مشتركة بين البنات والأولاد، ومشاغل أخرى في هذا السياق، وهي المشاغل التي لا تزال رائجة في الجامعات العربية التي لا تشتمل – في معظمها- إلا على "الجهل المؤسس"، حسب محمد أركون، وبالتالي فهي تمارس التجهيل المؤطّر بالمؤسسة الموصوفة، مجازا، بـ"العلمية".
لم تتعرض نظرية علمية، ربما، لمثل ما تعرضت إليه نظرية داروين من انتقاد وهجوم، فهي الأكثر إثارة للجدل بسبب تعارض ما تقدمه مع السائد من المفاهيم الدينية بشكل خاص المتعلقة بالخلق، وقد شاع الاقتصار في وصف نظرية "أصل الأنواع" على أنها نظرية لا تتضمن إلا القول بأن القرد هو أصل الإنسان وعنه تطور، وهذا بالطبع مفهوم مغلوط؛ لأن الأطروحة تقول باشتراك الإنسان والقرد في أصل واحد، وليس هما فحسب، فالنظرية قائمة على افتراض أن لجميع الكائنات على الأرض أصل مشترك وأن الحياة فيها قائمة على مبدأ "الانتخاب الطبيعي".
علميا، لم يعد الانشغال باختبار صحة الداروينية إشكالا مطروحا، باعتبارها تجاوزت مرحلة "النظرية" وأضحت "حقيقة علمية" غير قابلة للجدل العلمي، خاصة بعد أن استطاعة اختبارات الـ DNA أن ترسم شجرة للحياة بدقة فاقت الشجرة الدراوينية، وفي الوقت ذاته أسهمت بشكل كبير في توكيد نظرية "النشوء والارتقاء" الداروينية والارتقاء بها إلى مرتبة الحقائق العلمية الكونية.
وعلى الرغم من أنني لست من المتحمسين إلى تبني "أسلمة" المعرفة ولا "تنصيرها" ولا "تهويدها"؛ لاعتبارات تتعلق بطبيعة العلم المختلفة عن طبيعة الدين، واختلافهما من حيث الموضوع والهدف والمنهج، فإنني أظن أنه بالإمكان الاستفادة من نظرية داروين في مقاربة النص القرآني من حيث كونها جهازا نظريا علميا يجب تشغيله والاستفادة منه، والمجال الذي يمكن أن تشغّل فيه الداروينية في المقاربة القرآنية هو القصص القرآني والآيات الواصفة للمتغيرات عبر التاريخ والأزمنة المتعاقبة، ليس في عملية إسقاط تبجيلية بالطبع، بل في سياق يقوم على الاستفادة من أي جهاز علمي يحقق أعلى كفاية إجرائية.
من هذا، مثلا، أنه يمكن مقاربة الآية القرآنية: ("مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا..."البقرة 106) الانطلاق من افتراض أن الأحكام والتوجيهات الإلهية تنقل من أمة إلى أمة عبر الرسل والكتب المقدسة وهذا النقل خاضع لعملية معالجة مستمرة ممثلة في ثلاث عمليات: الإبقاء على الأحكام والتوجيهات عبر عملية نسخ، أي نقلها بحذافيرها للأمة التالية، أو محاكاتها عبر عملية نسخ مثلها، أو استبدالها بأحكام أخرى خير منها تتوفر على خصائص، هذه الخصائص المستحدثة في عمليتي "النسخ والنسيان" يمكن تفسيرها حسب نظرية التطور الداروينية بأنها تتعلق بالانسجام مع التطور الذي يعيشه الجيل البشري المزامن للكتاب المقدس المنزل، وفي عملية منسجمة مع التطور الذي يعيشه الإنسان عبر الأزمان، فكل جيل يشهد تطورا عن سابقه، وهذا التطور الطبيعي، الذي ينسجم مع الناموس الكوني، يحاكيه تطور مواز في "الآيات" المقدسة الإلهية الواردة إلى البشر، التي تفسر أيضا توالي الأنبياء والرسل وتعددهم تحقيقا للمجايلة مع المرحلة الإنسية التي أرسلوا إليها وفيها، وهو ما يستلزمه ناموس التطور والارتقاء في الكائنات التي يتطور الكائن البشري فيها ومعها.
إن عدم الاهتمام بتوطين العلم وعدم الاهتمام بترسيخ التفكير العلمي وإشاعته في المجتمعات العربية ستكون نتيجته الطبيعية الانشغال بفتاوى العقل الفقهي الذي لا يزال منشغلا برضاعة الكبير، وتكفير القائلين بجواز أن تكون المؤسسات التعليمية مشتركة بين البنات والأولاد، ومشاغل أخرى في هذا السياق، وهي المشاغل التي لا تزال رائجة في الجامعات العربية التي لا تشتمل – في معظمها- إلا على "الجهل المؤسس"، حسب محمد أركون، وبالتالي فهي تمارس التجهيل المؤطّر بالمؤسسة الموصوفة، مجازا، بـ"العلمية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق