محمد مليطان
في ليبيا، والعالم العربي عموما، يمكن اعتبار ظهور الانترنت حدا فاصلا بين عهدين مختلفين بالنسبة للثقافة والفكر والتكوين المعرفي بشكل عام.
ففي المشهد الثقافي الليبي كان النظام السابق الذي تبنى أيديولوجيا ذات طبيعة خاصة تم فرضها على البلاد والعباد مسؤولا بشكل كبير عن الفشل في توسعة قاعدة المقروئية في ليبيا ذلك أن الدعم الذي تلقته مشاريع "القراءة" خصص لكتاب الترويج للسلطة الشعبية والفكر الجماهيري الأخضر الذي يقدم أطروحاته من خلالها، حيث تم تأسيس "المنشأة العامـة للنشـر والتوزيـع والإعــلان" التي تحولت فيما بعد إلى "الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان" وطرحت للقارئ الليبي سلسلة "كتاب الشعب" بثمن زهيد، ومحتوى في كثير من إصداراته لا يتجاوز مستوى الثمن الزهيد، بينما ظل الكتاب العربي والأجنبي مراقبا من قبل السلطات الأمنية ما تسبب في توريد نوعية من الكتب لا تستميل كثيرا من محبي القراءة الضئيلة نسبتهم أصلا، لكن النظام السابق قدم شماعة علق عليها بعض المراقبين للشأن الثقافي تدني نسبة المقروئية في ليبيا طيلة الفترة السابقة لظهور الانترنت.
بعد ظهور الانترنت، تمكن القارئ الليبي من كل الممنوعات المكتوبة والمسموعة والمرئية، ولك تعد أجهزة الأمن ووسائل المراقبة الأمنية الحكومية مجدية.. خاصة وأن الانترنت لم يتجاوز عقبة المشكل السياسي خاصة فيما يتعلق بحرية الوصول إلى المواد المعدة للقراءة، بل تجاوز أيضا المشكل الاقتصادي المتعلق بغلاء بعض الكتب وصعوبة اقتنائها بالنسبة للقراء الذين ينتمون في غالب الأحوال إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة.
بعد الاطاحة بالنظام السابق، كلفت بعضوية الهيأة الاستشارية لوزارة الثقافة والمجتمع المدني، وترأست اللجنة الثقافية لمعرض طرابلس الدولي للكتاب 2013، وأتيحت لي فرصة مراقبة المشهد القرائي الليبي عن كثب.
ما أثار انتباهي، وليس استغرابي، هو ارتفاع نسبة المقروئية لاتجاهين فكريين، أولهما الكتاب الديني التراثي، وثانيهما منشورات التنمية البشرية، وهذا الميول عقب ثورة مسلحة مفهوم في سياقه التاريخي.
"نحن أمة لا تقرأ" عبارة تصدرت مقالات ومحاضرات أكاديمية وثقافية كثيرة تصدر عن أشخاص ينتمون لمجتمع النخبة في بلدي، لكنني لم أسمع عن أي برنامج تعليمي تربوي وضع من قبل الحكومات الليبية المتعاقبة لنقل أمتنا إلى مرحلة يمكنها فيه أن تكون قد أقبلت على القراءة.
وزارة التربية والتعليم انتبهت مؤخرا إلى أهمية المكتبة المدرسية غير أن النوع المتوفر بالإضافة إلى الوسائل الديداكتيكية تبقى متخلفة بالنظر إلى الغاية من وجود المكتبة المدرسية. بالإضافة إلى توقف المناشط التربوية المحفزة على القراءة كالمسابقات والمهرجانات التي تهتم بالقراءة وتشجيعها بين الأجيال الناشئة.
ومن المهم الإشارة إلى أن القراءة ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة من وسائل المعرفة، ولذلك فإنها تتوازى مع مصادر المعرفة المعاصرة الأخرى، فقد صار الكتاب المسموع على أجهزة الآيبود والهواتف والحواسيب المحمولة مزاحما للكتاب الكلاسيكي، فمحاضرات الدعاة مثلا، تغني عددا كبيرا من الشباب المهتم بالشأن الديني عن قراءة الكتاب طالما هناك إمكانية للاستماع إلى الكتاب ذاته بصيغة MP3 على هاتفه أو على حاسوبه اللوحي المحمول.
ومن المثير للانتباه أن كثيرا من الشباب صار يفضل الكتاب المسموع الأكثر مرونة وديناميكية على الكتاب الورقي أو الالكتروني الذي يتطلب تفرغا من أية أعمال أخرى مصاحبة، وبالتالي صار بالإمكان الاستمتاع والاستماع للكتاب أثناء قيادة السيارة مثلا.